في يوم 4 يوليو 2022 الموافق ليوم الاثنين الثالث من شهر ذي الحجة 1443 وبعد خروجي من النادي الرياضي الذي انضممت له مؤخراً، محققة بعض الإنجازات الرياضية الصغيرة – الكبيرة، مثل السباحة دون الاعتماد على المدربة وبدون خوف، وحيث أن إجازة عيد الأضحى المبارك بدأت منذ يومين، فقد قررت منذ تلك اللحظة عمل انجاز آخر – وهو في مقاييس العصر الحالي يعتبر انجاز عظيم- ويحتاج إلى جرأة وشجاعة وقدرة على التخلّي و”قوة قلب”. لقد قررت اغلاق هاتفي الجوال تماماً، استعداداً لتجربة مختلفة من التخفف من العالم الرقمي أو السوشيال ميديا تحديداً، أو ما يسمونه باللغة الانجليزية Digital minimalism or Social media Detox
أغلقته منذ اليوم الرابع وحتى اليوم 15 يوليو2022، وذلك يعني توقف الاتصالات وجميع وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى لا تراودني نفسي، ورغباتي ومسؤولياتي، فقد وضعته – بكل ثقة وعزيمة – داخل دولاب الملابس بعيداً عني، لكي لا تمتد إليه نفسي الأمّارة بالسوء وأصابعي وهواجسي، والتي كانت تتحسسه بمعدل مرتين فأكثر، كل عدة دقائق، متنقلة بين الواتساب وتويتر وسنابشات واليوتيوب والانستجرام والتيك توك مؤخراً.
ولآن الفترة هي فترة إجازة عيد الأضحى المبارك 1443هـ، بمعنى أن الجميع تقريباً في إجازة، مما يعني كذلك التخفف من ارتباطات ومسؤوليات الأعمال الرسمية، لذا فقد جاء أخذ جرعة الديتوكس الرقمي في وقتها المناسب، ودون شعور بأي ضغط أو ذنب ربما.
عشرة أيام كنت خلالها بعيدة تماماً عن أي عالم افتراضي، كما توقفت عن متابعة كافة الأخبار، فقط عرفتُ من والدي عن استقالة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، وعن زيارة الرئيس الأمريكي بايدن اليوم الجمعة للسعودية، وبعض الأخبار الشخصية من أفراد عائلتي عن بعض الأقارب والأصدقاء، وأحياناً أتلصص على شريط الأخبار في قناة الإخبارية أثناء متابعة مناسك حج هذا العام.
اليوم هو 15 يوليو، فتحتُ جهاز الجوال وانطلقت المئات من الرسائل على الواتساب تحديداً – أغلبها رسائل معايدة منسوخة ومكررة L بدأت في الرد عليها برد منسوخ للجميع J
والآن:
- ما الذي فقدته أو – فاتني – خلال الأيام العشرة؟؟
- ما الذي تأخرت عنه ولم أدركه؟؟
- أين أنا من العالم؟
- ما الذي لا يمكن تعويضه؟؟
- والأهم من كل ذلك، ما الذي كسبته أنا خلال هذه الأيام؟؟ سأضع تحت هذا خطاً بل عشرات من الخطوط
نظن كثيراً، حين انقطاعنا عن ملاحقة قنوات ووسائل التواصل الاجتماعي، أن أحداثاً هامة فقدناها ونريد دائماً أن نكون Up to date، ونرغب دائماً أن نكون على اطلاع – سواء كان هذا الاطلاع مهماً أو غير مهم – هي رغبة أو احتياج نفسي في المعرفة والتواصل – وربما اللقافة في أوقات كثيرة – نعتقد أحياناً أننا محور الكون، وأنه دائماً هناك من يحتاجنا، ويجب أن نرد عليه، لذا فإننا باستمرار نبحث عنهم، ظناً منّا أنهم يبحثون عنّا!! لذا فنحن دوماً على أهبة الاستعداد، وعلى بعد ضغطة زر!!.
نعتقد أحياناً أنه يجب أن نشارك في كل هاشتاق، وكل ترند، نقيّم الأوضاع ونحكم عليها، وعلى الآخرين .. ثم نبحث عن عدد اللايكات والردود وهل زاد عدد المتابعين؟؟
لذا فنحن لا نقوى أن تنقطع شبكة الانترنت أو يتعطل برنامج ما لدقيقة واحدة، فدقيقة الانقطاع هذه تعني انقطاعنا عن العالم، وعيشنا في المجهول ولا شك أنها تعني للشركات والدول خسائر جسيمة.
وبالتأكيد فإن مكاسب الانترنت والهواتف المتنقلة كبيرة وعظيمة، ولا نقاش عليها، وفي المقابل، فإن الذي خسرناه من وقت وجهد في اللهاث وملاحقة ومتابعة وسائل التواصل الاجتماعي، والتنقل في شبكة الانترنت لا يخفى على أحد!! فهي شبكة الداخل فيها مفقود؟؟!!
ولكن بالنسبة لي، فالذي كسبته وتعلمته أنا شخصياً في مرحلة التخفف هذه، هو الجزء الأهم:
- فقد تعلمت وأيقنتُ أنه لم يفت عليّ شيء يستحق الانتباه والقلق، وذلك خلال فترة انقطاعي لمدة عشرة أيام عن جميع وسائل التواصل الاجتماعي، هل لأنها فترة اجازة رسمية من الأعمال الرسمية؟؟ ربما!!
- أيقنتُ أنه لن ولم ينقص مني شيء ولن يزيد شيء، إذا لم أتابع وأراقب أين سافر فلان، وأين تناول عشاؤه المشهور الآخر، وما أحدث مشتروات المشهورة الفلانية، وما هو آخر ترند في التيك توك!! – وهوغالباً ما يملأ محتويات هذه القنوات – رغم إنني متخففة جداً في الأصل من مراقبة أكل وشرب وسفر ومشتروات وتجمعات – وهوشات – شعوب العالم الافتراضي.
- تعلمت بإنني لست مضطرة للرد على كل الرسائل في حينها، ما المانع في التأجيل أو عدم الرد على رسائل العمل تحديداً – خاصة ونحن في إجازة رسمية؟
- تعلمتُ بأن لا أقطع أفكاري وأفكار من يحدثني بالنظر إلى جوالي كل عدة ثوان، أو الرد على رسائل الواتساب أو متابعة تويتر، خلال حديثي مع نفسي وحديث الآخرين معي، وأن أنظر لعين مُحدّثي.
- أيقنتُ أنني كنتُ أعيش – كما الكثير – في مصيدة التشتت، أو ما يسمونه إدمان المشتتات، بسبب وسائل التواصل الاجتماعي تحديداً أو المبالغة في استخدامها ومتابعتها، وبالتالي ضعف التركيز، فهناك دراسات تقول أن الإنسان يتشتت مرة كل 40 ثانية خلال متابعة الجوال، ويحتاج إلى 20 دقيقة، حتى يستطيع العودة لما كان عليه، أو للعمل الذي كان يؤديه.
وكان “فريق من الباحثين في جامعة ميتشيغن قد توصل عام 2001 إلى أن التنقل السريع بين الاهتمامات يقلل الإنجاز بنسبة 40%، علاوة على أنه يتم عبر وظائف عقلية قد تستغرق أقل من ثانية، وهي مدة كافية لتهديد حياة قائد سيارة قرر تحويل انتباهه من الهاتف إلى الطريق”.
- نعم وسائل التواصل الاجتماعي مهمة ولا يمكن العيش بدونها، خاصة لمن يعمل، ومرتبط بعدة مسؤوليات، ولكن المبالغة في ملاحقتها هو الخطأ، بل الخطأ الجسيم الذي لا نشعر بمده ومداه، إلا إذا رغبنا في نهاية اليوم أو بنهاية الأسبوع في إحصاء أعمالنا وقراءتنا وانجازاتنا بالأرقام، ووفقاً لمستهدفاتنا!!
- أعتقد أننا أسرى لشبكة الانترنت عامة، التي أحكمت خيوطها وشباكها الغليظة حولنا، فما إن ترغب بالبحث عن معلومة من خلال محركات البحث، إلا وتجد رابطاً آخر يشدك لقراءته، ثم فجأة تجد نفسك انتقلت لبرنامج أو تطبيق آخر، وتلك حيل نفسية ابتكرها خبراء الشركات وصُنّاع دراسات سلوكيات الأشخاص والمستهلكين بالحفاظ عليك مسلوب التفكير والإرادة أمام صفحات مواقعهم وتطبيقاتهم .. وهكذا تمضي الساعات وينتهي اليوم، وقد نسيت غرضك الأساسي الذي دخلت من أجله في الشبكة العنكبوتية، ووجدت نفسك تموج في عالم رقمي متنقلاً بين كواكبه وعوالمه، وغالباً ينتهي بك الحال دون انجاز هدفك الأساسي حين فتحت جهازك الجوال أو الكمبيوتر واتصلت بفضاء الانترنت.
“هذه المشتتات لا تعطّلنا عن أداء عملنا فقط، بل تزيده صعوبة وتمنعنا من إنجازه، وتجعلنا نغوص في تلك الدوامة الرقمية التي تشعرنا أن إنجاز أي شيء مهم يكاد يكون شبه مستحيل. وهو ما يعني أن التأثير المرهق والمستمر لشبكات التواصل الاجتماعي يقف وراء خمولنا وتضاؤل تركيزنا وازدياد إصابتنا بالضعف العقلي والقلق والاكتئاب، مما يحتم علينا بذل مجهود جسدي وممارسة الرياضة لنهيئ عقولنا للحصول على المعلومات ونصرف انتباهها عما يشتتها”.
وبالفعل فقد “أكدّت الأبحاث أن فرط الانتباه والتركيز المتواصل مع كم من المعلومات قد يؤثر على تطور العقل ويضر بالدماغ. وذلك وفقاّ لدراسة أجراها كليفورد ناس (Clifford Nass) الباحث بجامعة ستانفورد عام 2009، أثبتت أن الأشخاص الذين يتنقلون بين مهام مختلفة كانوا أقل تركيزاّ عقلياّ، أما من يتوقفون عن تشتيت انتباههم طوال الوقت فيكون أداؤهم أفضل”.
- تمكنتُ خلال أيام “حمية العالم الرقمي” من قراءة كتابين:
- الأول الكتاب العظيم لتجربة أوبرا وينفري “ما أعرفه على وجه اليقين”، What I know for sure .. وأنصحكم بقراءته، والكتاب الآخر رواية “موت صغير” لمحمد حسن علوان، والذي كنت أحاول قراءته منذ عام، وفي كل مرة تنقطع القراءة، وأتشتت.
- شاهدتٌ خلال هذه الفترة على النتفلكس مسلسلاً أسبانياً، لا أحب مشاهدة سلسلة أو مواسم طويلة ولا نهائية، وهذه أول مرة انتهي فيها من مشاهدة قصة كاملة، ولحسن حظي أنها موسم واحد و6 حلقات فقط.
- شاهدت بعض المُدونات اليابانية الصامتة على اليوتيوب، جميلة وتجربة مختلفة بالنسبة لي.
- “ما أعرفه على وجه اليقين” أنني “وجدتُها”، نفسي.
- “ما أعرفه على وجه اليقين” أنني تمكنتُ من إدارة وقتي، والإفلات من الطاحونة، والخروج عن المألوف.
خرجتُ من منزلي مرتين، و -بقوة قلب- دون هاتفي الجوال، فهو مستقر في دولا ملابسي .. معتمدة على جوال السائق 🙂 في حال أرادت والدتي التواصل معي .. المفاجأة أنني اشتريتُ غرضاً ما، ولم أتمكن من دفع مبلغه، لإن جميع بطاقاتي البنكية في هاتفي الجوال 🙂 – كان مقلباً جميلاً ومضحكاً، لا أتذكر متى آخر مرة تعاملت فيها بالكاش أو استخدمتُ البطاقة البلاستيكية ذاتها؟؟ ولعلها من عيوب التقنية والدفع الرقمي.
“ما أعرفه على وجه اليقين” أنه تقريباً ومنذ حوالي عشر سنوات، وقتي وحياتي ليست ملك ليّ، رغم محدودية قنواتي – وخاصية التخفف الملازمة لي- وفلترة الأصدقاء الحقيقيين وقلة عدد الافتراضيين، ومحدودية التواصل، ورغم أن جميع الإشعارات الهاتفية مغلقة منذ سنين، إلا إنني أتحدث عامة عن وجودنا على شبكة الانترنت وارتباطنا بهواتفنا الجوالة، وتفقدنا لها بمتوسط يزيد عن 5-7 ساعات يومياً وبشكل متقطع طوال اليوم، كما تشير إلى ذلك وبشكل مؤلم، شاشة ال Screen Time Activity
فقد ظهر على شاشة أنشطة الجوال، أنني قضيت في أحد الأيام الساعات التالية:
- الواتساب ساعتين ونصف (غالبها أعمال ومهام)
- تويتر نصف ساعة
- سنابشات 12 دقيقة
- التيك توك 21 دقيقة
- البودكاست 45 دقيقة
- اليوتيوب 25 دقيقة
- لينكد إن 7 دقائق
- سفاري ساعة ونصف
- البريد الالكتروني 17 دقيقة
- الكاميرا 3 دقائق
- الرسائل النصية دقيقتان
- التقويم دقيقة
- الصور دقيقة
- المكالمات 13 دقيقة
- في بعض الأيام كانت هذه الأرقام كارثية ومفجعة؟؟!!
تلك الشاشة كانت كافية لمراجعة حساباتي وغربلة حياتي، وإعادة ضبط المصنع.
وأعتقد أنني نجحتُ إلى حد كبير، وسأكرر التجربة كلما وجدت الفرصة المناسبة لإغلاق جميع وسائل السوشيال ميديا، ربما ستكون هذه المرة كل Weekend
الفائدة الأهم خلال هذه الفترة، أنني تمكنتُ من كتابة هذا المقال والاسترسال في كتابة هذه التدوينة ودون انقطاع أو تشتت .. لديّ العشرات من المقالات والقصص المبتورة خلال سنوات التشتت العظيم ..
وجدتُ العشرات من المقالات والكتب واللقاءات باللغة الانجليزية، التي تتحدث عن تحدي وحمية الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي، مما يُشير أنها ظاهرة عالمية يسعى الجميع لعلاجها والتخفيف منها!!
في هذا الرابط بالأسفل تجربة أخرى لتحدي 7 أيام بعنوان “حمية 7 أيام عن وسائل التواصل الاجتماعي”
بأن تبدأ التدرج في التخفف منها، في صباحك ومنتصف يومك وأن تنناول وجباتك وتذهب إلى سريرك، بدون الاطلاع على السوشيال ميديا
https://gabbyabigaill.com/7-day-social-media-detox-challenge-you-need-to-try/