بقلم: دكتورة أميمة منور البدري

دكتوراه الإدارة الاستراتيجية والجودة

 

اتسم العصر الذي نعيشه بالسرعة والتغير الديناميكي في البيئة السياسية والتشريعية والاجتماعية والاقتصادية والتقنيات المتطورة، بالإضافة إلى تغير في ثقافة وحاجات المجتمع، وزيادة حدة المنافسة، مما فرض على منظمات الأعمال، مسايرة هذا التسارع والتنافس الشديد أو التناحر ـــ أحياناً ـــ فيما بينها، فهي وإن لم تعمل على تغيير ذاتها وخططها، أغلقت أبوابها، وتوارت.

ويكمن الفرق بين المنظمات الناجحة والمنظمات الفاشلة في اعتماد المنظمات الناجحة على الإدارة الاستراتيجية والرؤى بعيدة الأمد، كما أن المنظمات التي لا تعتمد على الإدارة والتخطيط الاستراتيجي، تموت موتاً بطيئاً.  والموت البطيء ، أحد أعظم الآفات التي تصيب المنظمات وقطاعات العمل بمقتل.

وهذا أوجب على المؤسسات اختيار وتطوير عناصر إدارية تتولى مسؤوليات الإدارة والتخطيط الاستراتيجي، وقد أطلق عليهم مسمى مديري القمة الاستراتيجيين.  وهم الأفراد الذين يتحملون مسؤولية الأداء الكلي للمنظمة، أو أحد أقسامها الرئيسة.

بل إن بعض الدراسات الإدارية الحديثة دعت إلى التخلص من المدراء الوظيفين وفكرهم وأساليبهم التقليدية، وتبنّي فكر المدير الاستراتيجي بأدواره الكلية الشاملة.

ومهام المدراء الاستراتيجيين، تختلف عن غيرهم من المدراء، وتتمحور حول ثلاثة مهام رئيسة في المنظمة، توصل لها هنري منتسبيرج (1973) وهذه الأدوار هي:

1/ الأدوار التشخيصية :-

فالمدير يؤدي أدواراً استراتيجية وواجبات متعددة اجتماعية أو قانونية، بوصفة القائد والمراقب، والمطور والمُصلح.

2/ الأدوار المعلوماتية :-

فهو المتحدث الرسمي الذي ينقل المعلومات للجهات والأشخاص المعنيين، ويوزعها، وينشر المعرفة بين العاملين ومجلس الإدارة، والشركاء داخل وخارج المنظمة، بما يعزز مكانتها.

3/ الأدوار القرارية :-

المدير الاستراتيجي، شخص ريادي، منهجه التجديد والابتكار، فهو مطور للأعمال والاجراءات والهياكل التنظيمية،  وباحث عن أفضل الخدمات والسلع، وعن المشروعات الجديدة والأرباح الأعلى. كما إنه مُصلح ومُعالج للصراعات والأزمات، يقوم بدوره الاصلاحي في معالجة ظروف المنظمة ويتخذ القرارات والإجراءات التصحيحية، ويعمل على توزيع الموارد المختلفة، وفق دراسات وميزانيات تقديرية، وهو المُفاوض مع الجهات الداخلية، كممثل للموظفين من خلال مواجهة مشاكل الأفراد والأقسام، ومع المنظمات والجهات الخارجية.

ورغم تعدد الوظائف والأدوار في السلم والهيكل التنظيمي، إلا أن الدور الأهم هو للمدير، سواءاً كان مديراً لمنشاة خاصة أو عامة، صغيرة الحجم أو كبيرة.

سمات المدير الاستراتيجي :

يتسم المدراء الاستراتيجيين بمهارات تميزهم عن غيرهم من المدراء، فقد حدد ( Drucker) سمتين أساسيتين للمدراء الاستراتيجيين:-

الصفة الأولى : يتمتعون بمهارات عالية، حيث تتطلب مهامهم قدرات متميزة في التفكير والتحليل وتقييم البدائل واتخاذ القرارات، والتنبؤ بالمستقبل.

الصفة الثانية: إن أعمال المدير الاستراتيجي مستمرة وغير روتينية.

بمعنى أن المدير الاستراتيجي، لا يعمل بالأسلوب التقليدي المبني على الوصف والمهام الوظيفية التقليدية، وأسلوب السيطرة واصدار الأوامر، بل يعمل وفق فريق متناغم منسجم، ويتمتع برؤية مستقبلية شاملة، تحدد مسار عمله وأهدافة وتطوراته، ضمن الصورة الكلية للمؤسسة.

 

وعلماء إدارة آخرين حددوا خصائص وصفات للمدير الاستراتيجي، من أهمها:

  • الالتزام والانضباط في العمل.
  • رؤية ثاقبة وقيم عليا.
  • التحدي والثقة والقدرة على مواجهة الظروف.
  • الاطلاع الواسع والمعرفة والفهم.
  • سياسي، قادر على تكوين وإدارة سياسة للمنظمة، وبناء وتوحيد الائتلافات.

إن المدير الاستراتيجي الجيد – كما يقول منتسبرج- “يسعى إلى إثارة الاسئلة، وليس إيجاد الأجوبة”، فهو يبحث عن المشاريع والبرامج التي يبدأ بها وليس التي انجزها، ويبحث عن الطرق التي يتخذها، والأهداف التي يحصل عليها، كما إنه يبحث عن الموظفين الذين يختارهم وليس الأبنية التي يُشّيدها. وهذه نقطة هامة جداً، فما نشاهده في منظماتنا، من حرص وتنافس بعض المدراء على الاهتمام بالبيئة المادية وزخرفة المكاتب، وتزويدها بأفخم الأجهزة والأثاث، بما يفوق الاحتياج أحياناً، بل وقبل الاهتمام باختيار وبناء موارد المنظمة البشرية.

فمن هو المدير الذي نريد؟ وماهي صفاته ومهاراته؟ وهل حان الوقت لإعادة تشكيل المدير الوظيفي أو التقليدي أو -التخلص منه- وصياغة مفهوم جديد للمدراء، بعيداً عن مفهوم المدير الذي حصر جُلّ اهتمامه، في متابعة الحضور والانصراف، وملاحقة واعتماد الاجازات للموظفين، وصناعة مدير استراتيجي يستطيع مسايرة بيئة سريعة التغيير ومتعددة الأهداف، وقادر على مواجهة المستقبل ومفاجآته.

 

https://www.alwatan.com.sa/article/1029003